الاثنين، 21 أكتوبر 2019

كتب محمد سالم المجلسي على صفحته في الفيسبوك

من الشُّبهات التي بلغتني عن السَّاعين لإطفاء جذوة تعظيم السُّنَّة في قلوب المسلمين قولُهم إنَّه قد انتقد الصَّحيحين أئمَّة قبلهم..فيُشيعون ذلك زرعا للتشكيك في البخاري ومسلم  وجعلهما مظنَّة للأحاديث المردودة, فأقول قدحا في مرامهم الباطل, وفضحا لنظامهم العاطل:
1. قد انتقد بعضَ أحاديث الصَّحيحين أئمَّة عظامٌ كالدَّارقُطني وأبي مسعود الدمشقي وأبي ذَرٍّ الهروي وأبي عليٍّ الغسَّاني...ولم يُنكر أئمَّة الإسلام حدوث ذلك, ومعلوم أنّها اعتراضات أئمَّة في مقابل تَصحيح الشيخين, وليس كلُّ اعتراض مقبولا, بل لا بد من الرُّكون إلى منهج الاستدلال,  وقد أوصل الحافظ ابن حَجر تلك الأحاديث المنتقدة إلى مائتَي حديث وعشرة أحاديث, وقسَّمها إلى أنواع, وأجاب عنها, وقد قال في "هدي السَّاري" عن تلك الاعتراضات: (وليست كلها قادحة, بل أكثرها الجواب عنه ظاهر والقدح فيه مندفع، وبعضها الجواب عنه محتمل, واليسير منه في الجواب عنه تعسُّف)
وإليكم لُقمةً يَغصُّ بها مُنكرو السُّنة, وسَهما يُصيب في مقتل مسعاهم الخبيث لطمس أحكام الحديث بمثل هذه الشُّبهة..حيث بقيَت آلاف الأحاديث في البخاري ومسلم لم يجد حفاظ الحديث المتقنون لعِلَله سبيلا إلى انتقادها من أيِّ وَجه, فأين منها الطَّاعنون الضَّاربون أخماسا لأسداس؟
2. إنَّ للنقد شرطين لا بدّ من توفُّرهما لقبوله, وهما سلامة القصد ووفرة العلم.
أمَّا من انتقدوا الحديث من الحفَّاظ فقد كان قصدُهم سليما..حيث راموا تعظيم السُّنَّة وتصفيَّتَها من كلِّ شائبة, ولا يرون حافظا معصوما من وَهم أو خطأٍ في الفهم, ولولا إجلالهم للصّحيحين ومعرفتهم قدرَ صاحبيهما لما طرقواْ أبوابَ نقد بعض أحاديثهما.
أمَّا المشكِّكون في الصّحيحَين المبغضون للشَّيخين فإنَّما يرومون الطَّعن في السنَّة وردَّ الحديث كلِّه..فهم وإن جلبوا نقد الدَّارقطني لبعض أحاديث الصحيحين ليُزهِّدوا النَّاسَ فيهما فإنَّهم أبعد خلق الله عن العمل بنحو أربعة آلاف وثمانمائة حديث أسندها الدَّارقطني في سُننه.
فشتَّان ما بين معظِّم للسنّة وساع لطمس معالمها !!
وأمّا شرط العلم فظاهر في الحُفاظ النُّقاد..فقد رحل الدارقطنيُّ -مثلا- إلى الكوفة والبصرة وبغداد والشام وواسط ودمشق ومصر ومكة وخوزستان وفلسطين والرّملة وكان يطلب بها الحديث ويُحدِّث..فيُفيد ويستفيد.
وقد قال عنه ترجمان أهل الحديث الخطيب البغدادي: (انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال وأحوال الرواة، مع الصدق والأمانة والفقه والعدالة وقبول الشهادة وصحة الاعتقاد وسلامة المذهب)
أمّا هؤلاء الطَّاعنون في السُّنَّة فجهَّال لم يعرفوا ذلك الطَّلب..ولم يرحلوا إلَّا لبعض بلاد الكفَّار معجبين بأمرهم, وتائهين بخَمرهم..ثمَّ يتَّهمون البخاريَّ الذي أخذ عن علماء بلده ثم رحل إلى الحجاز ومدن الشام ومصر وخراسان والعراق ومحدِّثي الأمصار حتّى صار أعلم النَّاس بالعلل وأحفظهم للحديث, ومضرب المثل في التَّقوى والورع.
3. ليت أولئك الطاعنين يَخطُون خطوة في الاتِّجاه الصَّحيح منطلقين من العلم قبل الحكم ليوافقوا بذلك أشهر ما توافقت عليه العقول في كلِّ ميدان علمي, ويتمكَّنوا على الأقل من شرح قول الدَّارقطني حين سئل عن حديث النبي صلَّى الله عليه وسلم قال: (سيأتي الناسَ زمانٌ يكون فيه قوم يأكلون الدُّنيا بألسنتهم، كما يَلحس البقر على وجه الأرض)
فقال: يَرويه أبو حيَّان التَّيميُّ عَن مُجمِّع التَّيميِّ عن عُمر بن سَعد عن سعد.
ورواه ابنُ فُضَيل عن أبي حيَّان فقال: عن مصعب بنِ سَعد عن أبيه.
والأول أصوب.
4. لا ريب أن حلَّ لغز جسور كونيغسبيرغ السَّبعة  واكتشاف علم التِّبوغرافيا الذي اكتُشف من خلال مخطط العالم الرياضي أويلر الّذي حلَّ اللغز..أهون على بدَويٍّ يتبع بغنمه مواقع القطر في مَهامه هذه البلاد المنسية من أن يفهم أولئك الطَّاعنون في السُّنة علم العِلل وصناعة الحديث.
وذلك لأنّ البدويَّ مرتبط بتلك الأرض مجرِّب لطرائقها أما الطاعنون في الحديث فلا علم لهم به البتَّة ولا يلوون على مظانِّه.
ومن العجب خوضهم في التاريخ وعلم الآثار ثمَّ لا يلتفتون إلى هذه الكتُب النَّفيسة والآثار النَّادرة الَّتي يحار العقل الآلكترونيُّ اليوم من تبحُّر أهلها ودقَّة منهجهم العلميِّ فيها, بل شهد بذلك المنصفون من كل الملل والنِّحل, بل أثبت الألمانيُّ "هارولد موتزكي" دقّة علم الحديث وصحة نتائجه..ونوَّه "برنارد لويس" في كتابه "تاريخ الإسلام" بذلك الفحص الدقيق للروايات, وقال إنَّه لم يسبق له مثيل في العصور القديمة كما أنَّه أفضل مما وُجد في العصور الوسطى وفي العصر الحديث.
أيُّها الطّاعنون –وأنتم للكفر أهل-  إنَّ السنَّة مبيِّنة للقرءان المحفوظ, وحفظ المبيَّن يستلزِم حفظَ المبيِّن له..(فأين تذهبون إن هوَ إلَّا ذِكرٌ للعالمين)

من صفحة : محمد سالم المجلسي المجلسي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق