الثلاثاء، 17 سبتمبر 2019

الإمام ناصر الدين




الإمام ناصر الدين

في نهاية 1599م وبداية 1600م، دارت فى قرية "تنيگـِي" -وكانت حاضرة علمية مزدهرة- حرب طحون بين تحالفين متنازعين من قبيلة تجكانت ِ وأدت تلك الحرب إلى خراب تلك القرية وتفرق أهلها أيادي سبإ، هاجر جزء من أهلها إلى العصابة والحوض حيث تم تأسيس "تگـبه"، وهاجر بعضهم إلى "الگبله " والبعض الآخر إلى منطقة تيندوف الجزائرية.

و في مدينة شنقيط قامت صراعات قبلية حوالي سنة 1630 م كان من نتائجها:
- هجرة جزء من قبيلة السماسيد إلى أوجفت وأطار
- هجرة جزء من قبيلة "لقلال" إلى العصابة والحوضين
- نشوب حرب أهلية طاحنة بين إدوعلي "البيظ " وإيدوعلي "الكحل"
- وهجرة جزء منهم إلى تگانت وتأسيس "تجگجه" 1660م وهجرة جزء منهم إلى "الگبلة"

وفي مدينة وادان قامت حرب أهلية بين قبيلتي "تفرله" و "تامكونه" المسوفيتين انتهت بهزيمة "تفرله" وهجرتهم إلى اترارزة، كما أدت هذه الحرب إلى هجرة معظم حلفاء "تفرله" من الحاجيين حيث هاجر "أبناء محمد بن الحاج عثمان" إلى الگبلة و هاجر "أبناء ابراهيم بن الحاج عثمان" إلى تگانت والعصابة والحوض.

هجرات بشرية مكثفة وصراعات بين القادمين الجدد والقدامى
" أولاد يونس وتدمير مدينة " تيزخت " وتشريد سكانها1600م
حرب أولاد علوش و أولاد زيد
حملة العروسيين على ولاته واحتلالها قبل أن يقضي عليهم أولاد يونس بمكيدة سنة 1630 م
الحرب بين تجكانت والعروسيين ،واجمان وتجكانت بقيادة سيدي المحجوب الجكني فى " تگـبه " وتيشيت خاصة بعد وفاة الطالب صديق الجماني سنة 1663م الذى كان يقيم حلف اجمان والعروسيين.

فى هذا المناخ المحلى والجهوي والإقليمي ظهرت في الگبله حركة الإمام ناصر الدين الإصلاحية والتوحيدية.
الإمام ناصر الدين هو أوبك " أبوبكر " بن أبهم بن ألفغ ابهنض بن اكدام بن يعقوب بن ألفغ ابهنض بن مهنض أمغر جد أولاد ديمان وأحد الخمسة أجداد "تشمشة "
تربى كما يتربى أقرانه وارتاد المحاظر اعتنى بأموال أهله وسافر فى قوافل التجارة نشأ صالحا تقيا نقيا عفيفا مشاركا فى جميع الفنون فاق بعض شيوخه وبعض من تفقه معه حتى قيل إنه أعز فتى فى قومه وكان صواما قواما ، وكان فاضلا كما يقول عنه كاتب سيرته محمد اليدالي:
" كان إذا تاجر أو سافر أرسل معه ضعفاء قومه بضاعتهم يملأ لهم أوعيتهم مما معه زيادة على ما أبضعوه ثم يحسن إليهم بعد ذلك كما كان عطوفا على المستضعفين عموما، كان صالحا وكانت له كرامات وكشوفات، ذاع صيته وأقبل عليه الناس و جلس ثلاث سنين يعظهم مواعظ بليغة في مجالس للحديث تعقد بعد صلاة الظهر تحث على التوبة حتى تابوا وخشعوا وأقبلوا على طاعة الله واشتغلوا بالآخرة عن الدنيا حتى سمت العامة تلك السنين سني التوبة وألزم النساء بيوتهن وكان صارما فقد عاقب أحد الشعراء في زمنه ويدعى حبيب بن بلاَّ اليعقوبي على بيتين من الغزل نظمهما في محبوبته:
رب حوراء من بني سعـد أوس :: حبهــا عالـق بـذات النفـوس
جعلـت بيننـا وبيـن الغواني :: والكرى والجفون حرب البسـوس

تلقب بناصر الدين تأسيا بزعيم المرابطين يوسف ابن تاشفين واستعمل الطبل في تنطيم الجيش تأسيا بالمرابطين وبايع أصحابه تحت شجرة "سمرة" تأسيا ببيعة الرضوان وجمع كلمة الزوايا ووحدهم بعدما كان يسودهم من خلافات وانقسامات.

لم يكن ناصر الدين راضيا عن سلوك الحاج عبد الله ولد بو المختار الحسني بل لقد امتنع عن الصلاة خلفه رغم مكانته العلمية وحدثت بين الرجلين جفوة، ويذكر الشيخ محمد اليدالي أن شيخ الشيوخ الفاضل بن أبي الفاضل الحسني كان من قضاة ناصر الدين ووزائه.
ولما امتنع "ببّه ولد أصور الصگاعي" عن إعطاء الزكاة لجابي الزكاة المرسل من ناصر الدين وهو سيدي لحسن ولد الغاظي العلوي جد العلامة حرمة بن عبد الجليل، أصبحت الحرب والقتال هما الخيار الوحيد.
ويقال إن هدِّي بعث إلى الحاج عبد الله الحسني فارسين يستفتيانه في الأمر فرفض الحاج عبد الله إجابتهما وقال: إن أحدهما جبار وهولا يتكلم مع الجبابرة ، وطلب من هدِّي الحضور عنده فحضر لديه، وقال له الحاج عبد الله: اطلب من ناصر الدين الرجوع عن قتال اللذين في حماك، وإلا فسيكون صائلاً والصائل دمه هدر. و قال لهدّي : "َ قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ "
وقال: فى الحديث الشريف: "الأئمة من قريش"، طاعنا بذلك فى إمامة ناصر الدين.

حج الحاج عبد الله الحسني سنة 1666م وأحضر معه شهادات من علماء مكة والمدينة وغيرهم وجلب معه أول نسخة من إضاءة الدجنة للمقري تصل هذه البلاد وأهداها لصديقه العلامة الطالب محمد بن المختار ولد بلعمش وطلب الحاج عبد الله من ولد بلعمش طلبين: الأول وضع شرح على إضاءة الدجنة والثاني الرجوع عن دعم حركة ناصر الدين وتشبيط أهل آدرار عن الاشتراك فى الحرب.
يقول الحاج عبدالله الحسني :
أسيدنا إن عاق عما أريده :: وأنويه من تجديد عهدك عائق
وحالت صروف الدهر دو ن إرادتي :: فإن اعتقادي فى المحبة صادق

فأجابه ابن بلعمش قائلا:
بنا ضعف ما تشكو من الحب دائما :: وإن حال عن وصل صروف طوارق
عسى طول هذا البعد يعقب راحة :: من الوصل أوتفني لدينا العوائق

فكان للحاج عبد الله الحسني ما أراد فقد رجع العلامة ولد بلعمش عن مناصرة الإمام ناصر الدين، ووضع شرحا نفيسا على الإضاءة قال عنه صاحب الوسيط : ولابن الأعمش أعني العلوي - مميزا له عن الجكني صاحب تيندوف - شرح نفيس على إضاءة الدجنة وكل شراحها المتأخرين إذا قالوا: قال الشارح فمرادهم إنما هو الطالب محمد المذكور.

كتبَ محمد المختار ولد السعد في "الفتاوي والتٌاريخ دراسة لمظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية في موريتانيا مِن خلال فقه النوازل" ،مُترجماً لولد الأعمش العلوي:
"محمد بن المختاربن الأعمشْ بن يعقوب بن أبيجة بن يحيى العلوي (1625- 1695): "أكبرُ فقهاء مدينة شنقيط وأحد أبرز الوجوه العلمية في البلاد خلال القرن 17" ، أخذَ عن كبار علماء وقته من أمثال عمر بن محجوب الولاتي وعبد الله بن محمد بن حبيب العلوي والحاج عبد الله بن بو المختار الحسني ... وتفقهَ حتى صارت إليهِ الرئاسة الدينية والدنيوية في شنجيط، وتصدٌى لأصحابِ التيار الباطني في المنطقة (ناصر الدٌين في القبلة والإمام المجذوب في آدرار). كان إليه مدار التدريس والفتيا في مدينة شنجيط خلال النصف الثاني من القرن 17 حيث يقول صاحب الوسيط .. "إنه أول من أجادَ من أهل تلك البلاد في تصنيف النوازل وكان من ألفَ فيها بعده ينقلُ عنه". كما أنه أول من شرحَ إضاءة الدجنة في اعتقاد أهل السنة للمقري في هذه البلاد، وله شرح ومؤلفات في النحو والمنطق والفَلك . وأخذ عنه العديد من كبار فقهاء المنطقة من أمثال ابن الهاشم الغلاوي وابن رازكة العلوي وعثمان بن عمر الولاتي ..." .

ويقول ابن الأمين فى الوسيط إن " الشاب الشاطري" الذي وصل إلى شنقيط فى القرن الحادي عشر وهو من العجائب عند أهل شنقيط ، أعني إدوعل والأغلال.. إنهم وجدوه بحرا لا ساحل له فانتخب منهم أربعة يعلمهم ولما أراد السفر قال:
تركت فيكم المحمدين والعبدلين، وقال ابن المختار هو إلِّ نختار يعني به الطالب محمد بن المختار بن الأعمش.

الفسطاطان

شارك من الزوايا في "شرببه"وكانو بقيادة ناصر الدين كل من :
- تشمشه
- تندغه
- اديـچـبه
-إدگجمله
- تا گنانت
- ادوعلِ
- اإدغـژينبُ
- انجامره من لمتونه
بعض ادابلحسن وأولاد أبيري
مجموعة مؤلفة من قبائل (الْمِدلش) و (انتابه) و (ايكمليلن)

وشارك من حسان وهم أبناء مغفر بن أُديْ بن حسان :
- الترارزة وكانو بقيادة هَـدِّي بن أحمد من دامان
- والبراكنة بقيادة القائدين نغْماشْ وبكار الغول
أولاد امبارك بقيادة بوسيف ول أُديْكَه ول لغويزي
- بعض أبناء أحي من عثمان

وكان الإمام ناصر الدين نفسه هو الذي يقود الزوايا في هذه الحرب حتى استشهد يوم "ترتلاس " فتعاقب على القياة الأئمة بعده.

أما المغافرة فقادهم ثلاثة من أشهر رجالِهم، هم :
- هَدِّي بن أحمد بن دامان أمير الترارزة.
- بكار (الغول) بن اعلي بن عبد الله أمير البراكنه .
- بو سيف بن محمد الزناگي أمير أولاد امبارك.

يقول الدكتور محمد المختار ولد السعد:
وأولاد امبارك بقيادة بوسيف ولد أُديْكَه ولد انبيكه ولد لغويزي
" أو بوسيف بن محمد ازناكَي بن بنيوك بن أعمر الذيب الموجود فى قعدد (إلي مغفر بن أُديْ بن حسان) مع هدّي وبكار الغول"

وقد ساند ملك المغرب مولاي إسماعيل حسان فى الحرب وكان متزوجا من اخناثه بنت بكار (الغول) ولد اعلي من عبد الله أمير البراكنة ، وبعث بجيش بقيادة آكشار الذى مات فى المنطقة المسماة باسمه، وقد ذكر صالح بن عبد الوهاب فى " الحسوة البيسانية " مجيئ مولاي اسماعيل قبل ذلك للمنطقة واستقبال كبار قواد المغافرة له من بينهم بكار ولد اعلي من عبد الله الذى صاهره وهو من قواد المغافرة اللامعين فى شربب وأشار لزيارته تلك صاحب الاستقصا فى تاريخ المغرب الأقصى
وكذلك ذكر ولد اطوير الجنة فى تاريخه زيارة مولاي إسماعيل للمنطقة ومروره على تيشيت وودان وشنقيط.

كان الأوربيون ضد دعوة ناصرالدين وضد فتحه و أسلمته للضفة اليمنى واعتبروها خطرا عليهم لأنه حرم تجارة العبيد وخطرا على مشاريعهم الكولونيالية المستقبلية فى المنطقة يقول شامبونو فى كتابه " نصان من السينغال " Chambonneau " Deux texts sur le senegal":
" وهذا المرابط المنتمي إلى شعوذة محمد من أمة البيظان التى تسكن بلاد البربر "arbarie " وهو رجل شديد الطموح لم يكتف بكونه قد بدأ فى بلاده بتغيير العادات والدين عن طريق إشاعة هذه "التوبنات" فيها وإنما يريد أن يذهب أبعد من ذلك وعلما بأن الزنوج كانوا محكومين من قبل ملوك لم يعودوا يتحملون نيرهم إلا بالقوة لشدة ماعانوه من الطغيان والنهب والاسترقاق فقد قرر التوجه إلى بلادهم ليفعل ما فعله في بلاده ..
ويضيف شامبونو:
.. والمرابط توجه إلى فوته سنة 1673 م يدعو في كل قرية "للتوبنان" - وهو تحريف لكلمة التوبة – في الساحات العمومية والزنوج أصغو إليه ورأوا فيه رجلا لم يبلغ الثلاثين من العمر حليق الرأس لا يتكلم إلا عن شريعة الله وعن صالحهم وحريتهم فاستجابوا له وتخلوا عن مشاغلهم القديمة ورافقوه في حله وترحاله حتى خضع له سائر مملكة " والو "

وقد حارب ناصر الدين ممالك الزنوج رغم كونهم مسلمين وحجته فى ذلك قوله: "إنما قاتلهم لاسترقاقهم الأحرار" خاصة أنهم كانو يبيعونهم للأوروبين وكان ناصر الدين يقف ضد بيعهم ويقول شامبونو Chambonneau في كتابه نصان من السينغال
( Deux texts sur le senegal)

"إن شرط ناصر الدين الأول للصلح، أثناء مفاوضات الصلح التي جرت بين البعثة التجارية الفرنسية في سان لويس وأخي ناصر الدين وسفيره منير الدين، كان إنهاء تجارة الرقيق! وهو شرط لا يمكن تحققه!
يقول شامبونو الذي يستشهد في ذلك بقول ناصر الدين "إن الله حرّم على من يلي أمور الناس نهب أموالهم وسفك دمائهم واسترقاق رقابهم. وإنما أوجب عليه رعايتهم وحمايتهم من كل الآفات. إن الله سخر أولي الأمر للناس ولم يسخر الناس لأولي الأمر . "

ولهذه الأسباب ـ يقول ببكر باري ـ ظلت البعثة الفرنسية في سان لويس تتحين ظهور أدنى خلل في حركة ناصر الدين كي تتمكن من التدخل والقضاء على تلك القوة الوليدة التي كان يخشى أن تلحق ضررا بتجارتها، وقد سنحت تلك الفرصة في مطلع عام 1674 حين قتل ناصر الدين القائد الروحي ورأس حربة تلك الحركة الدينية في المعركة
Boubacar Barry « Le Royaume du Walo

في مقاطعة لكصر وفي (البلدة القديمة) يوجد شارع ناصر الدين، الذي يمر من أمام البوابة الرئيسية لمسجد الإمام بداه، يَصْب في الشارع الكبير الذي يمر بالملعب ومدرسة تكوين الأساتذة، وصولا إلى إدارة البيطرة الشهيرة. وقد تمت تسميته سنة 1963، وكانت إحدى اللوحات المميزة له قائمة على منزل خاص هدم مؤخرا .


كامل الود

إكس ولد إكس اكرك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق